فجـوة الإحباط .. بين نموذج التوسع "الفريدماني" وطموح التقـلص
عندما نقول "وطن" لا "مزرعة" .. فإننا نُشكل صورة البيئة الصحيّة لـ عقولنا وفكرنا ، لـ يتم تنْشئتِها وِفق أطر مُمَنْهجة تقوم على بوادرِ السعيّ لتحقيقِ المصلحةِ العامةِ لا الشخصية ، والتوجهاتِ النافعةِ لا الضارة ، والتي تنصب دائما في صالح الوطن والمواطن ، دون ان تَتَقيد بقيودِ المزرعة التي يأكل فيها القوي الضعيف ..
يُؤسفني أن يرتدي البعض أقنعةَ السلام ، ويسعونَ دائماً لتلميعِ تلكَ الأقنعةِ لفرض حصار فكري ، يقوم على تَطويع حقيقة المثالية او مثالية الحقيقة ..ومايُؤسفني أكثر ، أن يكونوا من الأوائل في قيادة دِفة المبادراتِ المجتمعيّة ، التي تهدف الى الارتقاء بجميـعِ الجوانب المتعلقةِ بالشبابِ على الوجه الظاهريّ فقط ان صح التعبير.. اما جوهريـاً ، فـ للغمــوضِ طمـوحْ يسعى دائمـا للتسلقِ على جهـودِ الاخـرين ، وصولاً إلى غايات شخصيـة "بعيـدة" كل البـعد عن الاهــداف السـاميـة النبيـلة ، والتى يظـن البعـض أنهـا الركيـزة الاساسية التي تَقومـ عليـهاَ المبادرة المجتمعـيّة ..
في زحمـةِ هيمـنة الاهواءِ الشخصيّة ، والمسيّطرة على بعض مبادرات المجتمع المدني بشكل فردي لا جماعي، بالاضافة الى المبادرات الحكومية المتمثّلة في المشاريعِ التي تستهدف فئة الشباب تحديداّ، أجـدُ مقدار الفجوة الإحباطيّـة لدى الشباب تتسع في إطارِ - التشبيهِ النظري للنماذج الكونيّة - كـ إتساعِ كتلة الشمس الناتجة عن استهلاك كل مابها من هيـدروجـين ، ضمن أُطر ومراحلِ التخلـيقِ التكوينيـةِ والتفـاعليـة ، والتي تُعتبر المؤثر الحقيقي وراء هذا الاتساع ؛ نتيجة عملية الاندماج النووي للهيدروجيـن المتحولـةِ إلى هيليوم تُـفقد الشمس جاذبيتها ، وتعمل على زيادة الضغـط وارتفاع درجـة الحـرارة في مـركزهـا، بالتالي نتيجة غياب الجاذبية وزيادة درجة الحرارة في قلب الشمس ، تزداد كتلة الشمس زيادة تُكسبها خصائص العملاق الأحمر ، مع ضرورة الإشارة الى أن عملية الاندماج النووي تتسارع وتيرتـُها ضمن تناسبٍ طـردي مع الشمس في "الاستهـــلاك الهيـدروجينـي" المتزايـد مع مرور الزمــن.
لا عجبَ أن هذا التصوير والتوصيف الفلكـيّ "إستناداً إلى النموذج الكونيّ لـ فريدمان" ، يُصـور لنا حقيقـة هذهِ الفجـوة الإحبـاطيـّة الأنزياحيـّة شرقـاّ وغـرباّ ، الإتساعيّة في ظاهرها وباطنِها كالإنفوخـةِ المتقهقـرة ،والتي أعلنت "وربما" ستعلن عن حالة طوارئ شَعبويّة ، مُتمثّلـة في أزمةِ الثقـة المتقلصة كلياّ ؛ نتيجـة غيـاب الاساس الحقيقـي ، والذّي تستنـدُ عليـه مادةُ الثقة بين السلـطةِ والأفـرد ، وبين الشارع والمبادرات المجتمعيّة - ذات التوجهات الشخصيّة- المفتقرة كلياً لـ مبادئ المُواطنـة.
في مقولـةِ توفيق الحكيم "المصلحة الشخصية هي الصخرة التي تتكسر عندها أقوى المبادئ" الكثير من الاعتبارات التي نستطيع ربطها بمعطيات الواقعِ من جهة ، وتَطويعِها بطريقة تٌعقلن مادة الغموض المسيطِرة على تلك المبادرات من جهة أخرى ، لنخرُج بِسيناريُو مسرحـِي يَحكي عن جُملة المبادئِ التي تتدّعي القوة في ظاهرها ، ولكنّها ذات باطِن مهشّم مكسّر نتيجة الاصطدام بصخرة الاهواءِ الشخصية ..
بين واقعِ الإحباط اليوم ، وطموحنا وأمـل الـغد "حـاجِـز إيدولـوجي" ، يُعنى بحقيقةِ الصـراعِ الفكـريّ القـائمِ بين الأطـراف ، والذي لامسـنا أبعادهـُ في جميعِ الجوانبِ السياسيةِ منها والمجتمعيةِ والاقتصاديةِ والحياتيةِ والثقافيـةِ ، وحتى يتَسنّى لنـا كسر الحـاجزِ في سبيل تحقيق طمـوحِ المواطنة الحقيقيـّة الكـاملـة ، وتغـذيـة هذا الطمـوح "تعـزيـزا" للقيـم الوطنيّـة ومنظوماتها الفكـرية ، لابُـد أن يكون هناك سعيْ من كافةِ الأطـراف ، لإيجـاد نقطة إلتقائية تستند عليها مادةُ الحوارِ الوطنيّة ، والتّي تهدف الى خلقِ "التقارب الفكـري والمنهجـي" بين الحكومة وشعبهـا....فالثوراتُ والحراكـاتُ الإحتجيـاجيـّة ، لايتوقـف إخمادُ نِيرانهـا المتشريّة في الساحـةِ العربيـةِ على جملةِ المشاريعِ الحكوميةِ الاصلاحية ِفي ظاهرها ، رافعـة شعارات تهدف الى تحقيق المطالب والتطلعات استراتيجياّ فقط ، دون إتخـاذ أليات تنفيذية واقعيّة ، والتي إتّخذها صنّاع القـرار كـ حلـول ترقيعيّة تهدف الى تطبيق نظريـات إمتصاص الغضبْ الثوري الشعبّي .
حتى نلبّي نداءَ الطمـوحِ ، لابُدّ أن تكون أولى خُطواتِنا مُتمثلّـة في ايجاد التقارب الفكريّ بين السلطة والأفراد ، مع الإيمان الحقيقي بأهمية هذه الخطـوة فكراّ وسلـوكا ، تتْبعهـَا عملية إشراك الشباب في صنع القرار ، ورسم لوحة تنمويـة مستقبلـية بريشة "ترابطيـة طوبائيـة" ضمن اطار التقارب الفكري بين الحاكمِ والمحكـوم.
سلمى الحجــرية
14 / 1 / 2011 م
alhajrygirl@gmail.com
بارك الله فيك أختاه..
ردحذف